سورة يوسف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{وَرَاوَدَتْهُ التى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ} أي طلبت يوسف أن يواقعها والمراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى خادعته عن نفسه أي فعلت فعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التحمل لمواقعته إياها {وَغَلَّقَتِ الأبواب} وكانت سبعة {وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} هو اسم لتعال وأقبل وهو مبني على الفتح {هيتُ} مكي بناه على الضم، {هِيتَ} مدني وشامي واللام للبيان كأنه قيل لك أقول هذا كما تقول هلم لك {قَالَ مَعَاذَ الله} أعوذ بالله معاذاً {إنَّهُ} أي إن الشأن والحديث {رَبّي} سيدي ومالكي يريد قطفير {أَحْسَنَ مَثْوَايَّ} حين قال لك {أكرمي مثواه} فما جزاؤه أن إخوته في أهله {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون} الخائبون أو الزناة، أو أراد بقوله {إنه ربي} الله تعالى لأنه مسبب الأسباب {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} هم عزم {وَهَمَّ بِهَا} هم الطباع مع الامتناع قاله الحسن. وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله: وهم بها هم خطرة ولا صنع للعبد فيما يخطر بالقلب ولا مؤاخذة عليه، ولو كان همه كهمها لما مدحه الله تعالى بأنه من عباده المخلصين. وقيل: همَّ بها وشارف أن يهم بها، يقال: هم بالأمر إذا قصده وعزم عليه. وجواب {لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبّهِ} محذوف أي لكان ما كان. وقيل: {وهمّ بها} جوابه ولا يصح، لأن جواب {لولا} لا يتقدم عليها لأنه في حكم الشرط وله صدر الكلام والبرهان الحجة. ويجوز أن يكون {وهم بها} داخلاً في حكم القسم في قوله {ولقد همت به} ويجوز أن يكون خارجاً. ومن حق القارئ إذا قدر خروجه من حكم القسم وجعله كلاماً برأسه أن يقف على {به} ويبتدئ بقوله {وهم بها} وفيه أيضاً إشعار بالفرق بين الهمين. وفسر همَّ يوسف بأنه حل تكة سراويله وقعد بين شعبها الأربع وهي مستلقية على قفاها، وفسر البرهان بأنه سمع صوتاً إياك وإياها مرتين فسمع ثالثاً أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضاً على أنملته، وهو باطل، ويدل على بطلانه قوله {هي روادتني عن نفسي} ولو كان ذلك منه أيضاً لما برأ نفسه من ذلك، وقوله {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء} ولو كان كذلك لم يكن السوء مصروفاً عنه وقوله {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} ولو كان كذلك لخانه بالغيب، وقوله {مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوء} {الآن حصص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} ولأنه لو وجد منه ذلك لذكرت توبته واستغفاره كما كان لآدم ونوح وذي النون وداود عليهم السلام، وقد سماه الله مخلصاً فعلم بالقطع أنه ثبت في ذلك المقام وجاهد نفسه مجاهدة أولي العزم ناظراً في دلائل التحريم حتى استحق من الله الثناء. ومحل الكاف في {كذلك} نصب أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه، أو رفع أي الأمر مثل ذلك {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السوء} خيانة السيد.
{والفحشاء} الزنا {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين} بفتح اللام حيث كان: مدني وكوفي أي الذين أخلصهم الله لطاعته، وبكسرها غيرهم أي الذين أخلصوا دينهم لله. ومعنى {من عبادنا} بعض عبادنا أي هومخلص من جملة المخلصين.


{واستبقا الباب} وتسابقا إلى الباب، هي للطلب وهو للهرب، على حذف الجار وإيصال الفعل كقوله {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] أو على تضمين {استبقا} معنى ابتدارا ففر منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج ووحد الباب وإن كان جمعه في قوله {وغلقت الأبواب} لأنه أراد الباب البراني الذي هو المخرج من الدار ولما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ} اجتذبته من خلفه فانقد أي انشق حين هرب منها إلى الباب وتبعته تمنعه {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لُّدّاً الباب} وصادفا بعلها قطفير مقبلاً يريد أن يدخل، فلما رأته احتالت لتبرئة ساحتها عند زوجها من الريبة ولتخويف يوسف طمعاً في أن يواطئها خيفة منها ومن مكرها حيث {قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءا إِلا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} {ما} نافيه أي ليس جزاؤه إلا السجن أو عذاب أليم وهو الضرب بالسياط، ولم تصرح بذكر يوسف وأنه أراد بها سوءً لأنها قصدت العموم أي كل من أراد بأهلك سوءاً فحقه أن يسجن أو يعذب، لأن ذلك أبلغ فيما قصدت من تخويف يوسف. ولما عرضته للسجن والعذاب ووجب عليه الدفع عن نفسه.


{قَالَ هِىَ رَاوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى} لولا ذلك لكتم عليها ولم يفضحها {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّنْ أَهْلِهَا} هو ابن عم لها، وإنما ألقى الله الشهادة على لسان من هو من أهلها لتكون أوجب للحجة عليها وأوثق لبراءة يوسف. وقيل: كان ابن خال لها وكان صبياً في المهد. وسمي قوله شهادة لأنه أدى مؤدى الشهادة في أن ثبت به قول يوسف وبطل قولها {إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكاذبين وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصادقين} والتقدير: وشهد شاهد فقال: إن كان قميصه: وإنما دل قدّ قميص من قبل على أنها صادقة لأنه يسرع خلفها ليلحقها فيعثر في مقادم قميصه فيشقه، ولأنه يقبل عليها وهي تدفعه عن نفسه فيتخرق قميصه من قبل. وأما تنكير {قبل} و{دبر} فمعناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر، وإنما جمع بين {إن} التي للاستقبال وبين {كان} لأن المعنى أن يعلم أنه كان قميصه قد.
{فَلَماَّ رَأَى} قطفير {قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ} وعلم براءة يوسف وصدقه وكذبها.
{قَالَ إِنَّهُ} إن قولك {ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً} أو إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال {مِن كَيْدِكُنَّ} الخطاب لها ولأمتها {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} لأنهن ألطف كيداً وأعظم حيلة وبذلك يغلبن الرجال، والقصريات منهن معهن ما ليس مع غيرهن من البوائق. وعن بعض العلماء: إني أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان، لأن الله تعالى قال: {إِنَّ كَيْدَ الشيطان ضَعِيفاً} [النساء: 76] وقال لهن {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} {يُوسُفَ} حذف منه حرف النداء لأنه منادى قريب مفاطن للحديث، وفيه تقريب له وتلطيف لمحله {أَعْرِضْ عَنْ هذا} الأمر واكتمه ولا تتحدث به. ثم قال لراعيل {واستغفرى لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الخاطئين} من جملة القوم المتعمدين للذنب. يقال: خطئ إذا أذنب متعمداً، وإنما قال بلفظ التذكير تغليباً للذكر على الإناث، وكان العزيز رجلاً حليماً قليل الغيرة حيث اقتصر على هذا القول.
{وَقَالَ نِسْوَةٌ} جماعة من النساء وكن خمساً: امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب. والنسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثها غير حقيقي ولذا لم يقل قالت وفيه لغتان كسر النون وضمها {فِى المدينة} في مصر {امرأت العزيز} يردن قطفير، والعزيز الملك بلسان العرب {تُرَاوِدُ فتاها} غلامها يقال فتاي وفتاتي أي غلامي وجاريتي {عَن نَّفْسِهِ} لتنال شهوتها منه {قَدْ شَغَفَهَا حُبّا} تمييز أي قد شغفها حبه يعني خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل إلى الفؤاد، والشغاف حجاب القلب أو جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب {إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضلال مُّبِينٍ} في خطأ وبعد عن طريق الصواب {فَلَمَّا سَمِعَتْ} راعيل {بِمَكْرِهِنَّ} باغتيابهن وقولهن امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعاني ومقتها.
وسمي الاغتياب مكراً لأنه في خفية وحال غيبة كما يخفي الماكر مكره. وقيل كانت استكتمتهن سرها فأفشينه عليها {أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} دعتهن. قيل: دعت أربعين امرأة منهن الخمس المذكورات {وَأَعْتَدَتْ} وهيأت افتعلت من العتاد {لَهُنَّ مُتَّكَئاً} ما يتكئن عليه من نمارق قصدت بتلك الهيئة وهي قعودهن متكئات والسكاكين في أيديهن أن يدهشن عند رؤيته ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها. لأن المتكئ إذا بهت لشيء وقعت يده على يده {وآتت كل واحدة منهن سكيناً} وكانوا لا يأكلون في ذلك الزمان إلا بالسكاكين كفعل الأعاجم {وَقَالَتِ اخرج عَلَيْهِنَّ} بكسر التاء: بصري وعاصم وحمزة، وبضمها غيرهم.
{فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أعظمنه وهبن ذلك الحسن الرائع والجمال الفائق، وكان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على نجوم السماء، وكان إذا سار في أزقة مصر يرى تلألؤ وجهه على الجدران، وكان يشبه آدم يوم خلقه ربه. وقيل: ورث الجمال من جدته سارة. وقيل {أكبرن} بمعنى حضن والهاء للسكت، إذ لا يقال النساء قد حضنه لأنه لا يتعدى إلى مفعول، يقال: أكبرت المرأة حاضت، وحقيقته دخلت في الكبر لأنها بالحيض تخرج من حد الصغر وكأن أبا الطيب أخذ من هذا التفسير قوله:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع *** فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
{وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} وجرحنها كما تقول: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي تريد جرحتها أي أردن أن يقطعن الطعام الذي في أيديهن فدهشن لما رأينه فخدشن أيديهن {وَقُلْنَ حاش لِلَّهِ} (حاشا) كلمة تفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء تقول: أساء القوم حاشا زيد. وهي حرف من حروف الجر فوضعت موضع التنزيه والبراءة، فمعنى حاشا لله براءة الله وتنزيه الله. وقراءة أبي عمرو {حاشا لله} نحو قولك سقيا لك، كأنه قال براءة، ثم قال: الله، لبيان من يبرأ وينزه، وغيره {حاش لله} بحذف الألف الأخيرة والمعنى تنزيه الله من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله {مَا هذا بَشَرًا إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} نفين عنه البشرية لغرابة جماله وأثبتن له الملكية وبتتن بها الحكم لما ركز في الطباع أن لا أحسن من الملك كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8